بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قصة رائعة جدا
(( كنت ادرس في باريس اثناء حصولي على شهادة البكالوريس … و كنت وقتها اعزبا … فلم تكن ام سعد آنذاك ترفرف في جنبات منزلي …
خرجت الى السوق ذات يوم لأشتري ملابس الشتاء … و عندما اوقفت سيارتي عند المركز التجاري … نزلت و ابتسامة عريضة تعلو محياي … كيف لا و قد كلمتني والدتي و بشرتني بأن اختي افنان قد رزقت بمولود و اسموه على خاله الموقر (الذي هو انا طبعا) أحمد … يااااه كم انا مشتاق لك يا أحمد و كم انا مشتاق لأم أحمد الصغير …
" اووووه سوري " قطعت حبل تفكيري امرأة اصطدمت بي … عرفت انها امرأة من صوتها لاني لم اكن اشعر بالعالم حولي و انا اتذكر اهلي الذين غبت عنهم قرابة السنتين … التفت اليها و قلت لها بسرعة " اوكي نو بروبلم " … رفعت نظرها الي و احدقت النظر و كانها رأت شيئا غريبا … قالت :" انت سعودي ؟؟!! " … قلت " ايه " و دلتني ملامحها و جمالها على انها فتاة سعودية … وضعت يديها على وجهها و بدأت تجهش بالبكاء و تقول بصوت متقطع " تكفى ساعدني … انا اختك و الله انا اختك " و استمرت في البكاء … حقيقة كان الموقف محرجا حقا فكل الاعين التفت الينا و ألتم الناس حولنا… و ظن المتجمهرون حولنا انها زوجتي او اختي و قد ابكيتها … فبدأ يغمزونني بنظراتهم و عباراتهم … فقلت لها " يا اختي تأمرين امر بس خل نطلع من السوق و لك ان شاء الله اللي تبغين … انا اخوك و ما راح اقصر معك " … مشينا قليلا الى خارج السوق و كان عطرها فواحا الى درجة ان من مر بالطريق الذي مرت به عرف انها مرت من هنا … بدأت اهدئ من روعها … اشتريت لها ماء باردا من احد العربات و ناولتها اياه لتشرب منه و تغسل وجهها … هدأ روع الفتاة و اجلستها على احد الكراسي الخارجية للسوق و جلست بعيدا عنها بعض الشيء … بدأت بالكلام معها عن اصلها و قصتها و الحدث الذي حصل لها … اخبرتني انها بنت لأحد كبار الشخصيات في السعودية … و لقد اشتغل والدها عنها و عن اخوتها و تربيتهم بالاشتغال في منصبه … و جعل همه هو الترقية و المنصب "و لا يدري ماذا نفعل و اين نذهب و مع من نذهب " … فقط اغدق المال علينا ظنا منه ان هذه هي السعادة التي يريدونها ابناؤه و بناته … و ما علم المسكين انه ضيعهم و جعلهم لقمة سائغة للمفسدين و دعاة الشهوة و الضلال … فرح بمنصبه و افتخر بينما كل من يراه ينظر اليه نظرة الرحمة و الشفقة … كم عبثت الذئاب بأعراضه بناته و كم وجد المفسدون من ورقة رابحة و مربحة في ابنائه … و عندما نطقت بهذه العبارة التي تفطر لها فؤادي " ليتك يا ابي ضيعت اموالك كلها و منصبك و لم تضيعنا " … دمعت عيناي شفقة بها و تمنيت ان ارى هذا الاب المفرط لألقنه درسا لن ينساه … سكت قليلا رحمة بنفسي و بها فلا اريد ان ازيد همها الى هموم … و انطلقت الى بائع الدونات فقلت له " من فضلك دونات بالشيكولاته لو سمحت " … ناولني الدونات و كان ساخنا شهيا … قدمته الى الفتاة بأدب و قلت " سمي بالله … و بعد ان تنتهين من اكله سأساعدك بما تريدين " … رفعت عيناها الي و قالت " شكرا " و ابتسمت ابتسامة ادخلت السرور الى قلبي كثيرا … فكم غطى هذه المسكينة من الهموم و هي ترى والدها يبيعها بمنصبه … و ما علم هذا المسكين انه اجهل الناس و ادناهم مصنبا … فمن يفرط بعرضه ماذا يرتجي و ينتظر ؟؟! عجبا لمن باع شرفه بماله و عرضه … قاطعت تلك الافكار قولها لي " الحمدلله … الله يعافيك يا اخوي " فرددت عليها " بالهناء و العافية " … سكت برهة من الزمن افكر فيم ابدأ و كيف ابدأ الحديث معها !!! فقلت لها " انا اخوك في الاسلام و احبك لك ما احب لنفسي و اكثر … كم تمنيت ان افعل كل ما يجعلك مسرورة فرحة سعيدة … و لو اعلم شيئا سيزيدك سرورا لفعلته لك … و باذن الله اني سأساعدك حتى تبقين دائما مبتهجة منشرحة الصدر … فأنا اخوك و يهمني كثيرا سعادتك … تعلمين يا اختي ان الاسلام دين و حياة … فهو دين ندين الله به و حياة نعيش فيها السعادة و الراحة و الطمأنينة … فالله سبحانه خلق النفوس و هو اعلم بما يصلحها و يناسبها … فأنزل لنا كتابه و ارسل رسوله و ابلغنا عن كل ما يصلح النفس و يسعدها … فأمرنا بفعل الخيرات و ترك المنكرات … فمن اطاعه سعد و فاز و من عصاه باء و خسر " … قالت " صح " … قلت لها " ألا يستطيع الله ان يدخل الناس كلهم الجنة ؟ " … قالت " الا " … قلت "طيب ليه خلق النار ؟ " … قالت " يشوف من يطيعه " … قالت " احسنت … حتى يبتلي عباده فمن اطاعه ادخله الجنة و من عصاه ادخله النار … طيب حنا اللحين دامنا عرفنا الكلام هذا فمن نطيع ؟؟؟ نطيع الله او الشيطان ؟؟ مهب الله سبحانه و تعالى يقول : ( الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء و الله يعدكم مغفرة منه و فضلا ) فليه نطيع الشيطان بأفعالنا و تصرفاتنا و نتبع هوانا دايم ؟؟ ليه ننظر الى الناس اذا بغينا نسوي شئ فاذا كان يعجبهم الشئ هذا سويناه و ما فكرنا ابدا هل هو يرضى الله سبحانه و الا ما يرضيه ؟؟!!! ليه نجعل الناس هم اللي يراقبونا و نجعل الله سبحانه اهون الناظرين الينا ؟؟ " … فقاطعني صوت بكائها و نشيجها و ادركت ليونة قلبها … فأكملت كلامي و قلت " من احب الناس لك ؟ " … استغربت من سؤالي فكررته انتظر جوابا منها … فقالت " امي " … قلت " ليه اخترتِ امك ؟ " … قالت " لانها تحبني كثير … و تعبت علي و لا ترد لي أي شئ ابغاه " … قلت " و بعد ؟ " … قالت " امي … يكفي بس انها امي … ولدتني و تعبت في تربيتي … و لو امرض ما تفارقني و يعني وش اقولك كل شئ تسويه لي الله لا يحرمني منها " … قلت " طيب هذي امك اللي تحبينها بالشكل هذا لانها سوت لك اشياء كثيرة … و الله سبحانه و تعالى خلقك و جملك و زينك و رباك و اغناك و خلق امك و سخرها لك و جعل بينكم محبة و رحمة و اعطاكم من المال و الصحة و العافية و من عليك بكل شئ … تخيلي لو كنت مشلولة وشلون بيكون حالك ؟ تخيلي لو كنت يتيمة و ما عندك مال وشلون بيكون حالك ؟ تخيلي لو كنت مشوهة الوجه وشلون بيكون حالك ؟ تخيلي لو كنت عمياء و الا صلعاء و الا عرجاء وشلون بيكون حالك ؟ كل هذي نعم من الله سبحانه عليك … ليه ما تحبينه و تشكرينه و تطيعينه " … قالت " انا احبه " … قلت " لو تحبينه كان اطعتيه و لا عصيتي اوامره … ما فيه احد يحب احد و هو يعصي اوامره و يبتعد عنه كل ما اقترب محبوبه اليه … حجابك وينه يغطي مفاتنك و جمالك اللي امرك الله انك تغطينه … عطرك ليه متعطرة و انت تعرفين ان الرسول صلى الله عليه و سلم يقول " ايما امرأة خرجت متعطرة يشم رائحتها الرجال فهي زانية " او كما قال عليه الصلاة و السلام … قال فهي زانية و لم يقل فهي كالزانية … لو اخذ الله منك هذا الجمال وش بتسويين ؟؟! لو اخذك منك سبحانه نعمه التي انعمها عليك لانك ما اطعتيه وش بيصير حالك ؟؟ " حقيقة اني رحمتها و توقفت شفقة بها … فقد قطع البكاء انياط قلبها … و ارتعدت فرائصها … فآثرت السكوت و قلبي لم يزل يحمل الكثير من الرسائل اليها و لكن لعل الله ينفع بما اوصلته لها من رسائل … ثم بقيت فترة من الزمن حتى هدأت فناولتها قارورة الماء و استأذنتها بالانصراف … امرتني بالانتظار قليلا لانها تريدني … حاولت ان تتكلم فلم تستطع و كانت تختم كل كلمة منها بالبكاء … جلست و قلت لها " ارتاحي قليلا حتى تهدأين ثم تكلمي " … و بعد ان سكنت قليلا قالت " ما راح تجلس معي شوي ؟ " … قلت " لا ما يصلح اني اجلس معك … و لكن انا ابساعدك في كل وقت تحتاجيني باذن الله قدر ما استطيع … و انا ساكن في حي سانسيلا في بلف سويتس و رقم غرفتي 427 … ثم ودعتها و اتجهت الى سيارتي … فلما شغلت المحرك و بحثت عن ورقة من بين الاوراق التي بجانبي اذا بزجاج نافذة سيارتي يطرق بأدب … رفعت عيناي و اذا بها و بيدها دونت بالشيكولاته و قالت " هذا اقل ما اعطيك على معروفك و الله يجزاك خير " … فشكرتها ثم انصرفت …
حقيقة القصة طويلة جدا … و اتعب من كتابتها … لكن ان وجدت تفاعلا محمسا من قرائها اكملتها تلبية لرغباتكم … و ما كتبته تقريبا يمثل ثلث القصة و ثلث الاحداث … و هو اشوق و اكثر متعة … نسال الله ان ينفعنا بما نقرأ و نكتب و نسمع … هو ولي ذلك و القادر عليه , و صلى الله على نبينا محمد .
من مفكرتي ,