شيء من التأملات الشاردة

المسرح…ابو الفنون ام ابنها؟!

احدى المقولات ذائعة الصيت عند المسرحيين هي “ المسرح ابو الفنون “، وفي هذه الابوة استعارة لسيادة الاب وسلطته ، بحيث لا تعدو الاشكال الفنية الاخرى سوى توابع او ابناء لهذا الفحل

لن تدهشنا فكرة الابوة اذا ما علمنا ان المسرح صناعة ذكورية في الاساس ،فالذكر هو الطرف الاقوى في معادلة الانتاج الثقافي ، وهو من انتخب هذه الاستعارة لخلق نظام ابوي يحتفظ بالاصالة والمركزية للمسرح دون غيره ، فالابوة لون من الوان الامتياز الذي يحدد طبيعة العلاقة مع الاطراف الاخرى .

على ان هذه المقولة وان كانت تستدعي في بعدها الثقافي صورة الاحتواء ،أي قدرة المسرح على احتواء سائر الفنون ، تستبطن ايضا شيئا من نضال الذات/المسرح في مواجهة تحولات الآخر/الفنون …فالاحساس بأبوة المسرح الآن لا يعدو ان يكون تضامنا دفاعيا لصيانة فكرة" حتمية المسرح" ، بعد ان اثارت التكنولوجيا الشكوك في توافر اسباب وجوده الطبيعية.

وحين يتفاعل المسرح مع الفنون الأخرى ، يبدو نظام التغذية معكوسا بخلاف تصويرات المقولة ، فالمسرح يمضي في حركة تتوافق وتحولات الآداب والفنون الأخرى وليس العكس ، وان بدا تدفق الدراما في الاتجاه المعاكس صورة بارزة ، وفي العودة الى تجليات الوعي الحداثي والما بعد حداثي ما يساعد في رسم حدود الاستجابة وطبيعتها، والتي تكشف عن استحضار المسرح للنظريات والتيارات الادبية والفنية وتجسيده لها.

هذه العلاقة الجديدة لا تنتقص من عبقرية المسرح ، بيد انها بطبيعة الحال تستوجب تشخيصا جديدا للممارسة المسرحية تتجاوز هذه التراتبية وهذا التمييز غير الدقيق للتداخلات الايجابية بين الفنون ، فلا يملك المسرح ان يقاوم اسئلة النظريات النقدية الاحدث والتي خلخلت االفهم القديم لعملية التلقي ، ولا ان ينقطع عن افق التحولات في كتابة الشعر والسرد ، ولا ان يغلق بابه امام نزعات المعمار والتشكيل الحديث.

المسرح اليوم يحن الى طفولة جديدة ينمو فيها بالتوازي مع ايقاع الحياة ، متجاوزا صورة الاب الذي يميل في حضوره الى الثبات ويفتقر الى جموح الاسئلة ، المهوس بالاصغاء الدائم للذاكرة … فيما يبتغي المسرح لحظة ابداعية متجددة تمارس اتصالها بالواقع وتقترح المستقبل كامكان وليس كحقيقة ناجزة هي بمثابة الموت الناجز تصنعها مخيلة اب تقاعد عن الحياة!.