** الخاطرة الأولى: نحن في هذا الشرق جبلنا على انه لكي يتحقق لنا ما نريد وفي الحال فما علينا الا ان ننفعل فيتحقق لنا ما نريد… ننفعل بالصراخ او بالبكاء او الشكوى او بالأنين او باستدرار الشفقة… الخ. اما في الغرب فان الشخص منذ الصغر يدرب على ان يعمل ويجد لكي يتحقق له ما يريد وبالتدرج وليس في الحال بالضرورة. لا يعطي شىئا لأنه استجداه او صارخ من اجله بل لأنه عمل وكابد ليستحقه, لذا فمردود الجهد هناك تدريجي تراكمي ولكنه مؤكد, اما لدينا فمردود الجهد الانفعالي يحدث لماما ولكنه يحدث بتفاوت يشجع السلوك الانفعالى على الاستمرار, فقد لا تنجح عدة محاولات في تحقيق المطلوب, فتزداد الانفعالات حدة ويعلو الصوت صريخا فيتحقق المطلوب لا رأفة بالطالب ولكن رغبة في التخلص من الازعاج, وهذا النمط المتقطع في تحقيق النتيجة يزيد من حدة الانفعال بدلا من توقفه, والاستجابة لمطالبنا على هذا النحو في مجتمعنا تجعلنا نصر على حلول ما نريد في الحال وبدون جهد وكأن من الواضح ان من حقنا الحصول على ما نريد, وان حرماننا من ذلك عمل لا اخلاقي ويفتقر الى العدالة, بل هو عمل عدواني فنقابل العدوان المفترض بعدوان حقيقي, والغرب لا يفهم دينامية هذا السلوك ولذلك لا يقبله, ويعيل صبره عندما يرانا نمعن فيه فيهاجمنا على المستوى اللفظي او الجسمي او معا لمحاولة السيطرة على هذا الجانب المزعج وغير المجدي من سلوكنا, ونحن لا نفهم سلوك الغرب هذا نحونا فنفسره على انه عدوان غير مبرر, فتدور الحلقة المفرغة ونتحول الى ضحايا نبكي مصيرنا وحظنا العاثر ونحن الى الماضي عندما كانت لنا السطوة والقوة والمنعة, فنظن ان الرجوع الفعلي لذلك الماضي كفيل بتحقيق رغباتنا بدون جهد, غير مدركين ان الماضي تحقق بالجهد والمثابرة لا بالتمنيات والاحلام.
** الخاطرة الثانية: من الأمور المثيرة للحيرة الرغبة في التغيير وفي نفس الوقت الخوف من ان التغيير سيطال نظما سلوكية وحضارية ثبتت على مر القرون جدواها وان كانت تبدو وكأنها بالية, والحل يكمن في نظري في تدبر الأمر وعدم الجري وراء التغيير لمجرد التغيير في حد ذاته, وهذا يعني ان على الجهة المهتمة بدراسة الأمر والبت فيه ان تحذر تأثير النتائج المباشرة للتغيير وان تتحرى النتائج غير المباشرة له, فالنتائج المباشرة لأي تصرف لها تأثير قوي حتى وان كانت تلك النتائج تافهة او صغيرة, لذا يبدو لها بريق جذاب يجعل غير المتدبر والمحتاج انفعاليا وفسيولجيا يطلب وراءها حتى وان أدت فيما بعد الى التهلكة, او الى نتائج غير مباشرة مكلفة, انا لا انادي بترك الجديد والتمسك بالقديم بالضرورة, وانما أنادي بالحذر والتروي, واجد ان الاقتراب من الامور بالتدرج كفيل باعدادنا لمواجهة اي تحديات تأتي من الجديد… فان اعظم المصائب التي حلت بنا جاءت من محاولات القفز على المراحل فتحقق التراجع بدلا من التقدم.