جامعي يتذكر
(13)
كان مساءوهم دخان وورق …ويومها كنت من القلائل الذين لم يظفروا باحدى الحسنيين : التدخين والبلوت! …كنا جميعا نرغب في فسحة تهدم جدران الجد الدراسي …وتفتح نافذة للغياب…كانت الاوراق على خفتها تحمل ارواحهم على الانزلاق خارج الاوراق والملازم الدراسية …هي حصة تتسع للفرح …والقلق …وكثير من الدخان …
تسقط الورقة…تتلوها أخرى…الايدي تهتز تباعا…واصابع بين الفينة والاخرى تعالج ولاعة السجائر…حرارة اللعب تنبعث من قهقهة هنا…شتيمة متودده هناك…كل العيون رامقة …فخشية الهزيمة تكهرب المكان في كل مرة…
اعترف اني اخافها…امقتها…فليس في جنونها انتهاء… كان تجعل مني صفرا حين يبحث القوم عن رابعهم…لم تكن حليفتي للحظة…كلما اقبلت فررت من امامها…وكعادتي ابحث عن رائحة الشاي …دفء الماء…كانت اكواب الشاي ذاكرتي في محراب الليل ، انفاسا تطرد عني غربة الجدران… لاشيء في ذاك الليل سوى اوراق الشاي…النعناع…بعض قصاصات وصور انتخبتها لملء الغرفة بالمعنى…صورة للارض في قسوة القسمة بين جنوبها وشمالها …اسفل منها امرأة تنتظر الدور لنيل بطاقتها التموينية …هناك تمر نسائم من مذياع اتوسده … تقطع صمت الليل …تحمل صوت زهور حسين…فؤاد سالم…المقام اللامي الحزين للقبنشي …“يلي نسيتونا …يمتى تذكرونا”…
اتلحف ببقايا اوراق الصحف…لا شيء سوى اخبار الدمار…كآبة نلعقها كلما نبشت الصحافة في افكارنا الميتة …وكان النوم يهرب معها من عين المكان…
الصوت يتردد ثانية…خمسون…مائة…سرى…اشكل…صن…كبوت…تضيق الصدور…فتتطاير الاحرف شررا… رمادا من اعقاب السجائر…واوراق اللعب تشق طريقها الى زوايا متباعدة في الغرفة…فالذين هربوا من حصة الحياة…استقروا خارج اللعبة…والحياة معا!.
أثير السادة
5/96