**لي أصحاب مسافرين معي قد تجهزوا وما تجهزت معهم ، لقد حملوا طيبات كثيرة وما حملت … لا ، بل لي حمل أثقل كاهلي … حمل يضر ولا ينفع … فليت شعري ما الذي جعلني أحمل ما يضر ولا ينفع ؟
ثم ليت شعري إنَّ صحبي حولي أراهم قد حملوا الطيبات فسعدوا وارتاحوا … أما نفوسهم فراضية مطمئنة ، وأما نفسي فحزينة متألمة…
كم مرة ٍ راودتني نفسي أن أكون معهم ؟
لكن خطواتي ثقيلة لا تتقدم نحوهم !!
فقلت لها يا نفسي إن لم تتحركي من أجل ما ينفعك فلا أقل من أن تتخلصي مما تحملين .
يا نفس لكم أثقلك ما تحملين … يا نفس لكم ضرك وما نفعك… فلماذا تواصلين الحمل ؟
فلم تجبني…
فناديت : “يا عيني فلتذرفي الدموع”.
**قرب وقت السفر واشتد الجمع له ، فمن حولي أمثال دوي خلية النحل من العمل والسعي الدءوب من أجل السفر .
نعم لأنه ليس سفرا ً مهما ً وفقط ، بل أهم سفر سنسافره جميعا ً … إنه السفر للآخرة ، وهل هناك سفر أهم منه ؟
لا وألف لا … إنه أهم سفر منذ ولدتنا أمهاتنا … سفر ٌ لا رجعة فيه … فحق له أن يكون أهم سفر في حياتنا .
ومع هذا فلم يحركني كل هذا ، فناديت: “يا عيني فلتذرفي الدموع”.
**تقاربت الأيام ولكن اليوم ليس ككل يوم…
أحس ذلك ولكن لا أدري لماذا ؟
لكن هال عيني ما رأت من هذا ؟ من هؤلاء ؟
أحقا ً هي النهاية ؟ هل بدأ السفر ؟
ما بال أطرافي قد بردت ؟
لقد أيقنت أنها النهاية … نعم بدأ السفر ، ولكـن أين الزاد ؟ أحقا ً سأرحل بلا زاد ؟ … أحقا ً سأرحل بلا زاد ؟
لكن أشغلني أمرٌ آخر … لقد وجدتني أحمل حملاً سيئا … إنه فرصة للتخلص منه ، ولكن مالي لا أستطيع ؟
هل أنادي “يا عيني فلتذرفي الدموع” ؟
لكن حتى هذه لا أستطيع .
اللسان لا يتحرك ، والجسد كله هامد ، فلا إله إلا الله .
" كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق "
" فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ ٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون "
أفي هذه اللحظة توبة ؟ كلا وربي .
ما هذا ؟ وإلى أين ؟ إنه عالم جديد كل من يدخله يوزن بما معه من زاد .
*لقد هالني ذلك عن النوم على التراب ، ومفارقة الأحباب ،
*لكن كل هذا يهون أمام الميزان …
أين الزاد أين ؟ أين ؟
ولكن يا ويحي مما أحمل … أتراني سأضعه في الميزان أيضا ً ؟
“ياعيني فلتذرفي الدموع”.
**حتى إذا شاء الله أن تحق الحاقة وتقرع القارعة فإذ بالأرض قد زلزلت زلزالها ، وأخرجت أثقالها ، فقمت مع من قاموا حفاة عراة غرلاً.
فيا لهول ما أرى … إن منهم من يغطي العرق نصفه ومنهم يلجمه العرق ، ومنهم من يحمل أوزارا ً مثل الجبال ولكن أين؟؟
إنه يحملها على ظهره يسعى بها إلى الحشر .
ومنهم من يطوق أرضا ً … في رقبته ولكن أي أرض؟ إن شبرا ً من أرض الدنيا يطوق اليوم في الرقبة إلى سبع أرضين .
وها أنا كم أحمل … “فيا عيني فلتذرفي الدموع”.
**حتى إذا شاء الله ـ بعد وقوف طويل ـ أن يفصل بين الخلائق فتطايرت الصحف فآخذ ٌ باليمين وآخذ بالشمال ، فإلى أين هؤلاء ؟ وإلى أين أولئك ؟
أهل اليمين في نعيم مقيم … فأطلق لخيالك العنان ليسبح في هذا النعيم حتى يصل إلى غايته ، فهناك تعرف أنه أعلى من ذلك كيف لا ؟ وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
أما أهل الشمال فـ " في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم " … ينادى على أحدهم " خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه " .
فحدِّث ولا حرج … تقرح العيون ، وتفطر القلوب ، وتهتك الجلود ، ولكن … " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " .
فعفوك يا رب الأرباب.
**أخي وحبيبي … أرجوك لا تنادي : يا عيني فلتذرفي الدموع ؛ فأمامك الفرصة بعد أن عدت من رحلتك تلك ـ إن شاء الله ـ بالعِبرة .
وإلى لقاء مع أهل اليمين أسأل الله أن يجمعنا هناك.
انتهى المقال للشيخ أيمن سامي المشرف العام على موقع الفقه.