مقالة منشورة في جريدة اليوم للدكتور محمد رمادي
==========
الانضمام الى منظمة التجارة العالمية: 1-2
د. محمد رمادي
في مرحلة ما خلال الفترة القادمة ستصبح السعودية عضوا في منظمة التجارة العالمية, ولسنا بحاجة هنا الى الدخول في لعبة تحديد موعد الانضمام على وجه التحديد, الحقيقة الثابتة التي لاتقبل النقاش ان موعد هذا الانضمام آت لا ريب في ذلك, وسيصاحب هذا الانضمام الكثير من الخطب والمقالات التي تحاول التهليل للمناسبة, لكن المجتمع السعودي بصفة عامة ومجتمع الاعمال بصفة خاصة يجهل الى حد كبير التأثيرات الاقتصادية الجوهرية التي ستحدث في الاقتصاد السعودي نتيجة لهذا الانضمام.
ان السؤال الذي يتبادر الى الذهن على الفور في مثل هذه المناسبة هو لماذا تسعى الدول جاهدة للانضمام الى منظمة التجارة العالمية؟ ان الجواب بكل بساطة هو السعي الى الحصول على الامتيازات التجارية التي تمنحها الدول الاعضاء لبعضها البعض دون تمييز ضدها من خلال فرض قيود جمركية او غير جمركية. لذلك فان الدول التي لم يكن بمقدورها التصدير للخارج بفعل القيود الاصطناعية, تستطيع بفضل الانضمام الى منظمة التجارة, وتخفيف حدة الاثر السلبي لمثل هذه القيود على صادراتها الوطنية, زيادة حصتها في سوق الصادرات العالمي وهو الامر الذي يؤدي (حسب مفهوم مضاعفة الانتاج) الى زيادة معدلات الانتاج والاستثمار ومن ثم معدلات التوظيف والتشغيل. على الاقل هذا ما يبدو من الناحية النظرية. لكن الواقع العملي يقول: إن الدولة التي تستطيع ان تصدر اكثر وتحقق مكاسب لابد ان يقابلها بالضرورة وجود دولة اخرى تستورد اكثر ومن ثم تخسر اكثر على الاقل من الناحية النظرية. ان هذه الدولة الخاسرة سوف ترى اقتصادها المحلي يفقد مقدرته التنافسية, وبالتالي يتراجع انتاجها وترتفع لديها معدلات البطالة وتصبح طاردة للاستثمارات الاجنبية ومن ثم يتدهور وضع ميزان المدفوعات لديها. ان حدوث مثل هذا الامر هو اكثر الاحتمالات تشاؤما, ويتخذه في الغالب معارضو الانضمام الى منظمة التجارة العالمية حجة للدفاع عن وجهة نظرهم التي تحذر من عواقب مثل هذا الانضمام.
في الواقع العملي, فانه ليس من المتوقع ان تعاني كل القطاعات الانتاجية او الخدمية من الانضمام. بفعل المقدرة التنافسية العالية لعدد من القطاعات, ستتمكن هذه القطاعات من كسب اسواق جديدة, فيما ستخسر قطاعات اخرى نتيجة لضعفها جزءا من اسواقها التقليدية, مما قد يؤدي ببعضها (خاصة الصناعات الهامشية والضعيفة) الى الخروج من السوق. المهم هنا كيف نعد امتنا لمرحلة ما بعد الانضمام, وماهي الاجراءات التي علينا اتخاذها لحماية المصالح الوطنية خلال وبعد انتهاء مفاوضات الانضمام؟.
ان قواعد منظمة التجارة العالمية بسيطة وواضحة فكل ما يتم التوصل اليه في المفاوضات الثنائية مع الدول الاعضاء في مرحلة المفاوضات يجب تعميمه دون قيد اوشرط على بقية الدول الاعضاء (مبدأ الدولة الاولى بالرعاية). وفي الغالب فان الدول التي انضمت بعد انشاء منظمة التجارة العالمية في العام 1995م كانت شروط انضمامها اكثر من تلك التي انضمت قبل هذا التاريخ.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية, فان مكاسب الانضمام عديدة ومتنوعة, كما ان المخاطر ايضا كبيرة ومتعددة ويعتمد الامر في النهاية, وبدرجة كبيرة, على مدى القيام بالاستعداد جيدا من الآن لمواجهة انعكاسات الانضمام ومتطلباته خاصة بالنسبة للقطاع الخاص المعني اولا واخيرا بهذا الامر. وستتعرض لمخاطر كبيرة القطاعات التي تتمتع بمعدلات عالية من التعرفة الجمركية والدعم وذلك على الرغم من ان بعضها يتمتع بربحية عالية في الوقت الحالي مثل البنوك وشركات التامين التي ستواجه منافسة اكثر حدة بعد الانضمام. وقد اشارت بعض المسوحات الى ان الادارات العليا لهذه الشركات مازالت غير مدركة تماما لطبيعة المخاطر التي تتهددها. حيث يعتقد البعض ان ولاء المستهلكين والشعور الوطني الجارف لدى المواطن السعودي سيشكل لهم نوعها من الحماية. لكن مع حدة المنافسة العالمية بين الشركات, فقد يتبخر هذا الولاء سريعا. ان مخاطر الانضمام عديدة بالنسبة للمملكة لكن التخطيط المسبق والاستعداد الجيد من الآن قد يساعد على تجنب معظم هذه المخاطر.
ولعل من احد متطلبات الاستعداد اللازمة للقطاع الخاص من اجل تعظيم مكاسبة وتقليل مخاسرة هو ضرورة احداث شراكة حقيقية ومباشرة بين القطاعين العام والخاص في صياغة الالتزامات والتي تفرضها منظمة التجارة العالمية والمطالبة بالحقوق والامتيازات التي تتيحها وهو ما سنناقشه باذن الله تعالى في المقالة القادمة.