ما نزلت للحين ترا

أكره أتكلم عن البترول مع أصدقاء الثانوي.

الكلام عن الدراسة معهم دائماً ما يتحور لمقارنة بيننا و بين الجامعات الثانية. لازم يجي طاري شيء مثل كنسلة الدراسة أو قردنة المدرسين او الغياب عن الأسبوع الأول، و اضطر تلقائياً أغير الموضوع. لأن الشيء الي يتبع نقاش هالمواضيع عادةً هو أنهم يبدأون يناظروني كأني يتيم سمع واحد يمدح طبخ أمه، أو عقيم زار روضة أطفال. النظرات الي تقول “شوفوا المسكين الي ما يقدر يغيب أول أسبوع، المنحوس الي ما يفرح بالإجازات العرضية لأنه يدري أن جامعته بتجبره يداوم السبت زي الطيبين”.

و لما أغير الموضوع، ما أغيره لأني أكره اتهامهم لي بأني “مسكين”، الشفقة ما تزعجني. أنا أغير الموضوع لأني ما أبي يوضح لهم أني أتفق مع قرارات الجامعة. لأن لو حسوا بهالإتفاق راح تجي تهمة أعظم من المسكنة، راح يقولون أني “مثالي”.

و تهمة المثالية في عصر التواصل الإجتماعي ما بقى أحد ما انرمى بها، صارت خط الدفاع الأول للعنصريين و قليلي الحياء، تقدر تقول لشخص “ترا ما يصير تمشي بالشارع مفصخ” ولا راح تستغرب لو رد عليك “اوه ارحمنا ياللي ما قد فصخ بحياته، ما ذبحنا الا مثاليتكم والله”. بس في قضايا معينة هالتهمة لا يزال لها وزن، و من هالقضايا نظام التعليم عندنا، الجانب الطلابي منه بالطبع.

نتيجة سنين و سنين من التهاون و التكاسل صاروا العالم يعتبرون أنه حق من حقوقك تغيب الأسبوع الأول و الأخير من كل ترم. و الإجازات العرضية، ذيك الي تجي مع المطر و الغبار، هذي هدايا من الله ما يحق لهم يخلونك تحضر بدالها. تزوير الأعذار، ملخصات الإختبارات، تحويل دقائق دق الحنك مع الدكتور إلى درجات تحسب في آخر الترم، هذي كلها أمور طبيعية. و لو أحد شك أنك تبي تشيلها، راح يعتبرك “مثالي”.

و الغريب في هالتهمة هو أن ردة فعلي الأولى لما أواجهها هي أني ابدأ أعدد عيوبي. لأن التهمة ما تقول أنك فعلاً شخص مثالي ما عندك عيوب. التهمة تقول أنك شخص مزيف، يتظاهر بأنه مثالي عشان المنظر بس و يحاول يخفي عيوبه. لذلك حتى أزيل التهمة عني أسرع بذكر عيوبي بدل ما أخجل منها، و يمكن أزيد فيها حتى، لأن الإختلاف يوجع أحياناَ. ابدأ أقول “تراني أغيب أول كم يوم، و أشيل هم يوم السبت الي غصب أداومه، و أوقات ما أذاكر الا ليلة الإختبار، و إذا الدكتور طيب تراني أستغله اذا غبت و أقول كان عندي ظرف خاص، حتى لو أني أندم على هالحقارة بعد كم يوم و أحس بالذنب كل ما أشوف هالدكتور”.

الشيء الي ما عمري قدرت أوضحه هو صح هالعيوب طبيعية، لكنها لا تزال عيوب. مب كل شيء طبيعي، صح. طبيعي أوقات أنك تحس بالغيرة من شخص أنجح منك، هذا مب معناه أنك تعتبر شعورك شعور جيد و تغذي هالغيرة حتى تصير حسد و كره. بنفس الطريقة الي أتكاسل فيها أحياناً عن الصلاة مع الجماعة، بدون ما أقلل من أهميتها، أو أعتبر الي يصلي مع الجماعة “مثالي”.

تعتريني هالعيوب نفس ما تعتري أصحابي، لكني سعيد أن حولي أنظمة و ضوابط تحد هالعيوب و تقلل من تأثيرها. بعد كم سنة في البترول صرت ما أشوف دوام الأسبوع الأول أشق من تسلق جبل، ولا داوم السبت كجريمة في حقي. لولا القوانين الصارمة الي يشوفونها الكثير تعذيب لظلت إنتاجيتي نفسها في الثانوي، شبه معدومة. لولا وجود عواقب للتهاون و الإستهبال لتهاونت و استهبلت، في الجامعة الآن و في الوظيفة لو كتب لي الله. و لأصبحت أحد الموظفين الي دائماً أدعي عليهم، النوعية الي تجي مكتبها بداية الدوام و لا تشوفه إلا بعدها بساعتين. شاكر لهالتجربة الجامعية لأني كنت إنسان مختلف تماماً قبلها.

لكن…

وصف “مثالي” مهب دائماً في غير محله. لأن فيه فعلاً أشخاص يستغلون حسن نية الناس و تقديرهم للأفعال النبيلة، حتى يظهرون بمظهر الشخص الصالح، بينما هم فعلاً سيئين، أو في أفضل الأحوال مثلهم مثل غيرهم. تصرف هالناس سيء مب بس لأن فيه اخفاء للعيوب، كلنا نحاول نخفي عيوبنا ولا نتحمس نظهرها. لكن ادعاء الصلاح بصوت عالي مع انكار العيوب و اخفائها هدفه يعفيك من الإنتقاد. كلنا عندنا عيوب و كلنا نخجل منها، لكن لما أحد ينتقدنا عليها ما نقدر ننكر أو نجادل، و يكون ردنا الوحيد هو أننا راح نحاول نصير أفضل. الشخص “المثالي” في الجهة الثانية مقدّس، عيوبه غير موجودة، و أي انتقاد له هو انتقاد لكل الصفات الي يتظاهر بأنه يملكها.

قد ما أنا شاكر لتجربة الجامعة الصارمة، قد ما كنت أشك أن الجامعة ما تهتم فعلاً بنتيجة هالتجربة قد ما تهتم بأن الناس يعرفون أنها موجودة. كنت أفخر بتعويض الإجازات العرضية لأنها تعزز من أخلاقية العمل عند الطالب و تذكره بحقوقه، بأن الحصة الدراسية فرصة تعلّم و ما هي عقاب حكومي نحاول نتجاوزه قد ما نقدر. لكن كنت أستغرب من الصرامة و إجبار الناس على الدوام في أوقات الغبار أو العواصف المطرية، كنت أحس فيه تهاون بسلامة الطالب، خصوصاً أنك لو أعلنت اليوم عطلة تقدر تعوضه بسبت مثل ما سبق و سويت. و مثل ما كنت أفخر بالصرامة في التحضير، كنت أستغرب من التهاون في التقييم رغم الإصرار عليه، حيث أني ما شفت أو سمعت عن أي دكتور ينشال بسبب تقاييم سيئة، و المنتدى مليان منها.

شايف، الصرامة الإدارية محمودة لأنك أحياناً تحتاج تجبر الناس على الإهتمام بمصلحتهم. لو ما فيه قوانين ضد القتل، كان المجتمع غابة. لكن العامل الأول و الأخير في تنفيذ هالصرامة هو مصلحة الطالب. من مصلحة الطالب أنه يأخذ تعليمه كاملاً، من مصلحة الطالب أنه يكون انسان شغيل، من مصلحة الطالب أنه يكون مستعد لكرف سوق العمل، من مصلحة الطالب أنه يتعود على الإنضباط حتى ما يتوظف في إحدى منشآت البلد و يخون الأمانة. لكن مصلحته بعد أن الي يدرسونه يكونون صاحين، و من مصلحته بعد أن سلامته تكون من أولويات الجامعة، و من مصلحته بعد أن شكاويه تكون مسموعه. و لفترة طويلة كنت أحس الجامعة ما هي حاطة مصلحة الطالب في أولوياتها. أحس الجامعة تهتم بأنها تظهر بمظهر المنشأة التعليمية الإحترافية، أكثر من أنها تصير منشأة تعليمية احترافية.

و جات الأسبوعين الماضية، و انقطع الشك باليقين.

من تم الإعلان عن موعد صرف الرواتب الجديد، و العالم تسأل الجامعة هل هالشيء ينطبق علينا أو لا. لمدة أسبوعين، كنت أشيك بشكل يومي على حساب الجامعة، و على هاشتاق الجامعة،و على المنتدى. عشرات الاسئلة عن موعد صرف المكافآت، و عن كمية المبلغ المصروف، هل راح يغطون الفترة الي ما انصرف فيها شيء؟ هل تدخل الزيادة في هذي المكافأة؟ و لمدة أسبوعين الجامعة لا ترى لا تسمع لا تتكلم. كأنهم نسوا أن بعضنا كبر و صار يستحي يطلب من أهله فلوس، و أن هالمكافأة مصدر دخلنا الوحيد الي ندبر فيه كل شغلنا.

بيان واحد كان كافي بإجابة كل هذه الأسئلة. بيان واحد كان كافي بإراحة بالي و توفير عشرات الرحلات للصرافة، بيان واحد كان كافي لتسهيل تخطيط الأسبوعين الي مضت بشكل مريح و واثق. طوال هالأسبوعين كنت في حالة هلع دائماً لما يجي طاري صرف الفلوس. . و خلال اليومين الأولى كنت في حالة رعب من السبب خلف سكوت الجامعة. “يمكن الزيادة ما تشملنا، ممكن ما بتنزلنا مكافأة أصلاً، أو يمكن ساكتين لأنها بتنزل بكرة!!!”

لكن بعدها اكتشفت أن الجامعة ساكتة لأن الجامعة ما تهتم. لأن الإدارة تدري أن أي بيان راح يجبرهم يتفاعلون مع ردود العالم، و ليش يتعبون نفسهم؟ التجاهل أسهل. الجامعة تبي تكون جامعة عالمية، لكني ما تبي الواجبات الي تجي مع السمعة. الجامعة تعرف واجبات الطالب و حتى واجبات المعلم، لكن واجبات الإدارة؟ هذي مع الغول و العنقاء.

لذلك و في هالليلة… اليوم المبارك، الساعة 4 إلا ربع فجراً، و أنا سهران و جالس أنتظر رسالة الإيداع على الجوال، أحب أقول أني شاكر للتجربة الجامعية، و ناقم على الجامعة. لأنها و بكل أسف، جامعة “مثالية”.

14 Likes

موضوعك واقعي صراحة ، أغلبه ملامس لتجربتي بالجامعة خاصة موضوع تقييم الدكاترة

بعد هذه السنوات في الجامعة ، إتضح لي أن إدارة الجامعة تأمر الطلاب والموظفين بالقيام بما لا تطيقه الإدارة نفسها. شيء عجيب !

ملاحظة: الساعة ١١:٢٣ ، ما فيه مكافأة للحين…

ايش سبب تأخر المكافأة ؟؟

Well written :thumbsup:

1 Like

للعلم، قبل أيام تغير أحد كبار المسؤولين عن العلاقات العامة في الجامعة، وهذا سبب تغيير اسم حساب الجامعة في تويتر مثلا

أعتقد بأن المسؤول الجديد أثبت عدم كفاءته من أول اختبار

سكت دهراً…
King Fahd University of Petroleum & Minerals-KFUPM on Twitter

محد يدري متى يبدى مساهم؟؟

الجامعة وادارتها تبي البزبزة والترزرز قدام العالم
لكن مع طلابها والموظفين يبان كل شي .

1 Like