أخي الخريج: وفقه الله إلى كل خير.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد أبى يراعي إلا أن يسطر لك هذه الحروف، يبارك لك تخرجك من الجامعة، ويبارك لك تفوقك وتميز نجاحك، ويستمطر المداد في صفِّ بعض ما أرجو أن ينفعك الله به في أولاك وأخراك فأقول:
-أخي المبارك لقد سرني نجاحك، وأبهجني تميزك، فقد:
أشركتمونا جميعاً في سروركم \* فلهونا إن حزنتم غيرُ iiإنصاف
فسرْ قُدُماً، وخذها بقوة، لا تهدأ أبداً، ولا تعنو كمداً، قد أيقنتَ بأنه:
إذا ما علا المرء رام العلا \* ويقنع بالدون من كان دونا
فلا تقنع بما دون السماء، بل أرسلها مدوِّية “وإني لأرجو فوق ذلك مظهرا”. لسان حالك:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى \* فـما انـقادت الآمال إلا iiلصابر
قد أخذتَ بقول أبي الطيب:
وإذا كانت النفوس كباراً \* تعبت في مرادها الأجسام
قال الزمخشري: عزة النفس، وبعد الهمة، الموت الأحمر، والخطوب المدلهمة، ولكن من عرف منهل الذل فعافه، استعذب نقيعَ العز وزعافَه.
فـ:
اشترِ العز بما بيـ \* ـع فما العز بغالي
لكن الثمرة: عواقب أحلى من العسل، وخواتم هي الغاية في الاسترواح.
ولتعلم – يا رعاك الله- بأنه (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) وأنه (وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) وأنه:
ماكل من طلب المعالي نافذاً \* فيها، وما كل الرجال فحولا
وأن قلم البليغ بغير حظ مغزل، فاستعن بالله دوماً، ولاتعجز، ولتعلم بأنه:
إذا كان غير الله في عدة الفتى \* أتته الرزايا من وجوه الفوائد
وأنه:
إذا لم يكن عون من الله للفتى \* فأول ما يجني عليه iiاجتهاده
- والزم مجاهدة نفسك دائماً، فإن الحياة عقيدة وجهاد، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)
فزُمَّ نفسك بزمام التقوى، وأحكمها بخطام المراقبة، فإنه ما عاتب الحرَّ الكريمَ كنفسه، ولتعلم بأن النفس راغبة إذا رغبتها، وأنك إن أعطيتها مناها، فإنها تفغر فاهها للهوى.
ونـفسك أكرمها فإنك إن iiتَهُن \* عليك فلن تلقى لها الدهرَ مكرما
- وكن رجلاً عصامياً لا عظامياً فـ:
\(ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه\).
فابنِ نفسك بما يزينها و:
بادر الفرصة واحذر فوتها \* فبلوغ العز في نيل الفرص
- واستمسك براية الحق، واثبت عليها، فمن يثبتْ ينبتْ، وإياك والتذبذب فتكون:
كريشة في مهب الريح ساقطةٍ \* لا تستقر على حال من القلق
- وفي زمن الفتن، أقبل على ربك، وسله الثبات على الحق، وتذكر قوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) وقوله (وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً).
ولتعلم بأن التئام جراحات اللسان شديد، وكم هامة حَذَفَتْها عثرةٌ بفم، فالزم الصمت إلا في شيء يقربك إلى الله زلفى، “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت”.
- وأزرِ بنفسك في جنب الله، وتذكر قول ربك (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) واشخص ببصرك إلى إمام أهل السنة- أحمد بن حنبل- وقد قيل عنه: ما أكثر الداعين لك، فتغرغرت عيناه، وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجاً. ثم انقل بصرك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو العلَم الهمام، مالئ الدنيا وشاغل الناس، بعلمه وآرائه، نقل عنه تلميذه ابن القيم: أنه كثيرا ما يقول: ما أنا بشيء وما مني بشيء.
- أخي المبارك: لتعلم بأنك على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك، فلا تحقرن في سبيله شيئاً، من خدمة تؤدِّيها، أو فكرة تغذِّيها أو نصيحة تسديها، أو حكمة تبديها، ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، قاله ابن سعدي-رحمه الله-.
- وأحب مكارم الأخلاق جَهْدك، فإنها زينة المرء، وإنما يدل على معدن الكريم خُلقه لا خَلقه:
وما الحسن في وجه الفتى شرفاً له \* إذا لـم يـكن في فعله iiوالخلائق
وجانب سفاسف الأخلاق، تعش سالماً، والقول فيك جميل.
وإن تفوه أحدٌ عليك بسوء فاقذف في سمعه:
\(حلمي أصم، وما أذني بصماء\).
ولا تشغل نفسك وتثقلها بكلمة نابية خرجت من غُمْر، بل وطن نفسك، ولتعلم بأنك:
إذا أسأت إلى المسيئ \* فكيف تعرف بالتفضل
- أخي المبارك: كن مع الناس هشوشا بشوشا، هينا ليناً إلا أن تنتهك محارم الله فتغضب لله، فِعْلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحسن إلى الناس تكسبْ قلوبهم، ولاتمنن عليهم بالإحسان، بل كن كما قيل:
خـلٌ إذا ما جئت يوما لتسأله * أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا
يخفي صنائعه، والله يظهرها * إن الـجميل ولو أخفيته ظهرا
- ولا تطالبهم برد المعروف، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
- وإياك أيها الأخ المبارك أن تغتر بمتاع دنيا قد نيل، فـ(مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى)
- وفي جانب الصداقة، تخير صديقك، فإن الخلق دساس، والصاحب ساحب، والطبع استراق، وإن رأيت من صديقك الذي ارتضيته زللاً أو كللاً، فاصفح عنه، وقل: سلام، فأي الناس ليس له عيوب، وأي الرجال المهذب، ومن لك يوماً بأخيك كله:
ومـن لا يغمض عينه عن صديقه * وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومـن لـك بـالمهذب الندب الذي * لا يـجد الـعيب إلـيه مـختطى
ولتعلم بأنه:
ليس الغبي بسيد في قومه * لـكن سيد قومه المتغابي
وما أجمل المسلم يكمل أخاه دون أن يكلمه ويقومه دون أن يقاومه.
وافزع إلى الصلاة أبداً، فإنها بهجة الفؤاد، وجنة العباد.
ولا يفتر لسانك عن ذكر الله، تعش مطمئن القلب، قريبا من الرب.
وعليك بالقرآن؛ فإنه الحق المبين، والكتاب المستبين، وهو الطبيب الآسي، والكريم المواسي.
أخي المبارك: هذه كلمات جمعْتها، وهموم بثثْتها، وفي الجَعبة غيرها، لكن الأمر على ما قيل: وفي النفس حاجات وفيكم فطانة، قد ملكتكها بما معك من التميز، ولم يدعني إلى تسطيرها إلا أملي أن أرى منك خيرا عاجلاً، فبادر؛ فإن النفس مولعة بحب العاجل، وانطلق، لا حد لك إلا سُجُوف العز، أو سقوف المجد.
اللهم وفق أخي الحبيب هذا، واجعله هاديا مهديا، راضيا مرضيا، وهبه توفيقا يقوده إلى الرشد، وقلباً يتقلب مع الحق، وصلِّ اللهم وسلِّمْ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
\(صالح البهلال\)
(ياليت كل خريج يسمع هذا الكلام عند تخرجه ليكون شعاره في حياته العملية)