كاتب النص الأصلي سَيزور
ثالثا: مفاسد المنافسات الرياضية
لقد انحرفت الرياضة في هذه العصور المتأخرة من كونها وسيلةً صحية تربوية إلى مجموعة من المخالفات الشرعية والصور الجاهلية، وإلى لون من ألوان المسخ الفكري والانحراف الخلقي، وفيما يلي بيان لبعض هذه المخالفات، وكشفٌ لمعالم هذا المسخ والانحراف:
المفسدة الأولى: وقوع حب الكافر ومودته وتعظيمه وتبجيله في قلب المسلم.
من أخطر مفاسد هذه المنافسات كسرُ الحاجز الديني بين المسلمين والكفار، ألا وهو حاجز البراء الذي هو من أوثق عرى الإيمان.
فترمي هذه المنافسات ـ فيما ترمي إليه ـ إلى أن لا يبقى في قلوب المسلمين بغضٌ للكفار من أجل الله تعالى، ولا كراهيةٌ لهم لأجل ما هم عليه من الكفر والدين الباطل ومحاربةِ الحق وأهله بشتى الطرق والوسائل، وأعظم من ذلك أن يقع في قلب المسلم حبُّ الكافر وتبجيله، وأن يجري على لسانه مدحه والثناء عليه، وأن ينظر إليه نظر التعظيم والإعجاب، فيحمل صورته على صدره وفي سيارته ويعلقها في بيته، ويغضب له إذا نيل منه وطُعن فيه، ويسعى جاهدا في الوصول إليه لمصافحته وأخذ قميصه أو توقيعه، وكثيرا ما يبلغ الأمر إلى أن يُحمَلَ هذا الكافر بالله من لاعبٍ أو مدرب أو مسؤول على أكتاف المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله، قدم عائذ بن عمرو رضي الله عنه يومَ الفتح مع أبي سفيان بن حرب على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابة: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعزُّ من ذلك، الإسلام يعلو ولا يُعلَى))([1]) قال الحافظ ابن حجر: “وفي هذه القصة أن للمبدأ به في الذكر تأثيرا في الفضل لما يفيده من الاهتمام”([2])، فإذا كان هذا في مجرد التقديم في اللفظ فكيف بالمدح والثناء والتعظيم؟! ثم كيف بالرفع على الأكتاف والوقوف للأعلام؟!
المفسدة الثانية: تضليل المسلمين عن قضايا أمتهم وشغلهم عن التفكير في الاستعداد لجهاد أعدائهم.
استطاع أعداء الإسلام أن يغرقوا المسلمين في هذه المنافسات، وأن ينسوهم قضايا الأمة الكبرى ومهمتها العظمى في تبليغ هذا الدين، وأن يميتوا فيهم الحس الإسلامي، فتجد كثيرا من المتابعين لهذه المنافسات لا يكترث ولا يأبه بما يحدث لإخوانه المسلمين المستضعفين في شتى بقاع العالم، من تشريد وتقتيل وتعذيب وتنكيل، وانتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات، بل شغلهم الشاغل تقصي أخبار المنافسات وتتبع نتائج المباريات والشغف بمعرفة وضعية اللاعبين المادية والاجتماعية، إلى غير ذلك من السفاسف والمهازل.
قال الشاعر واصفًا حالهم أمام المباريات:
أمضى الجسور إلى العلا بزماننا كرة القـدم
تحتل صـدر حيـاتنا وحديثها في كل فم
وهي الطريق لمن يريد خميلة فوق القمـم
أرأيت أشهرَ عندنـا من لاعبي كرة القدم
أهم أشـدُّ توهجـاً أم نار برقٍ في علم؟!
لهم الجباية والعطـاء بلا حدود والكـرم
لهم المزايا والهبـات وما تجود به الهمـم
كرة القدم
الناس تسهر عندهـا مبهورةً حتى الصبـاح
وإذا دعا داعي الجهاد وقال حي على الفلاح
غطَّ الجميـع بنومهم فوزُ الفريق هو الفلاح
فوز الفريق هو السبيل إلى الحضارة والصلاح
كرة القدم
صارت أجلَّ أمورنا وحياتَنا هذا الزمن
ما عاد يشغلنا سواها في الخفاء وفي العلن
واللاعب المقدام تصـ نع رجله مجـدَ الوطن
عجباً لآلاف الشباب وإنهم أهـل الشـيم
صرفوا إلى الكرة الحقيـ ـرة فاستبيح لهم غنم
دخل العـدو بلادهم وضجيجها زرع الصمم
أيسـجل التاريخ أنـا أمـة مسـتهتـرة؟!
شهدت سقوط بلادها وعيونها فوق الكرة([3])
المفسدة الثالثة: صرف همم المسلمين عن الاشتغال بمقاصد الشرع ومعالي الأمور، وشغلُهم بالسفاسف والمهازل.
إن هذه المنافسات هي في الحقيقة معول هدم في بناء الأمة الإسلامية؛ استخدمها أعداء الإسلام وشجعوا عليها للقضاء على الهمم وإماتتها وتحقيرها في نفوس المسلمين، ومما يؤكد ذلك ما جاء في البروتوكول الثالث عشر من برتوكولات حكماء صهيون وهذا نصه: “ولكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها ولا ما يراد بها، فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج والمسليات والألعاب الفكهة وضروب أشكال الرياضة واللهو… ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية ورياضية”([4]).
المفسدة الرابعة: تضليل المفاهيم ونكس المعايير.
وهو ما يمكن أن يطلَق عليه اسم: حرب المصطلحات، فإن من أخطر أسلحة أعداء الإسلام وأفتكها في محاربة الإسلام والمسلمين تغييرَ الأسماء وتزييف الحقائق، فيسمون الحق بالأسماء الشنيعة الوضيعة المنفِّرة، ويسمون الباطل بالأسماء الجميلة الحسنة المرغوبة، وما أكثر ذلك في هذا العصر العصيب.
وفيما يخص هذا الموضوع نجد التلاعبَ بالألفاظ على أشُدِّه، فهم يسمون اللاعب الذي يكفيه حِطةً أنه يلعب ويلهو، يسمونه بطلا ونجمًا وصانعَ تاريخ ومحققَ أمجاد، ويسمون غلبةَ أحد المتنافسين نصرا ونجاحا وفوزا وفلاحا، وما كانت العرب تقول قبل الإسلام ولا بعده إلا: سابقه فسبقه، وصارعه فغلبه، ونحو ذلك، عريًّا عن ألفاظ النصر والنجاح والفوز والفلاح التي يموَّه بها في هذا العصر، ويسمون احترام المنافِس وتقديره روحا رياضية تملُّصًا من الاعتراف بأن ذلك من المطالب الدينية وهربًا من اللغة الشرعية، ويسمون المشجعين المتفرجين المضيعين لأوقاتهم أنصارا، وليت شعري أين هم من أنصار المهاجرين؟! ثم ليت شعري أين هم من أنصار الدين؟! ويسمون الأصوات القبيحة والأفعال المنكرة التي تصدر منهم علاماتِ فرحٍ بريء ومظاهرَ عرس بهيج، ويسمون مباريات القمار مبارياتٍ رسميةً والأخرى يسمونها مباريات ودِّية أو حبية ولو كانت مع ألد أعداء الدين والإنسانية، إلى غير ذلك من التحريف والتزييف الذي يروِّجون به لباطلهم ويحاربون به الحق وأهله.
مفسدة الخامسة: تقديم القدوة السيئة الدنيئة للطفل والشاب المسلم.
إن التربية بالقدوة من أعظم الوسائل التربوية تأثيرا في النفس، وقد أرشد إليها القرآن الكريم فقال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ} الممتحنة:4]، وقال سبحانه: {أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِه} الأنعام:90]، واعتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا فمن ذلك قوله: ((اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكر وعمر))([5]).
وإن من أهداف هذه المنافسات غرس القدوة السيئة والأسوة الدنيئة في أذهان النشء، والحيلولة بينهم وبين القدوات الزكية التي ينبغي أن تُتَّخذ. ومن وسائلهم في تحقيق ذلك تكثيف اهتمام أجهزة الإعلام بأولئك الرياضيين، وتتبع أخبارهم وما يتعلق بهم من صغير أو كبير، ووصفهم بالأبطال والنجوم والأسود وغير ذلك من الألفاظ النافخة، مما يجعل الطفل والشاب لا يهتم بعلم ولا عمل، وليس له في تحقيق العزة والتمكين همٌّ ولا أمل، بل همُّه الوحيد وأمله الفريد أن يصبح بطلا من الأبطال ونجما من النجوم!! وقد بلغ الأمر بكثير من الشباب إلى حد تقليد أولئك الذين لا خلاق لهم والتشبه بهم، بل ربما اقتدوا بهم في عاداتهم وحركاتهم الخبيثة والكفرية.
المفسدة السادسة: الصدُّ عن ذكر الله تعالى وعن الواجبات الشرعية.
كثير من المتابعين لهذه المنافسات تصدُّهم عن ذكر الله تعالى وأعظمُ ذلك الصلاة، وهذا أمر معروف عند الناس عامتهم وخاصتهم، لا ينكره إلا مكابر، وتعاطي ما يصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة حرام. فكم من أناس ممن يتابعون المباريات يسهرون إلى النصف الأخير من الليل ليشاهدوها ثم تفوتهم صلاة الفجر، وكم منهم من يتخلف عن الجماعة بسبب الجلوس أمام الشاشات، بل منهم من لا يحضر الجمعة لأجل ذلك، أضف إلى ذلك ما يقع من كثير من الغارقين في أوحال هذه المنافسات من تضييع لحقوق الوالدين والأولاد والأرحام، بحيث يقدمها على مصالحهم وحقوقهم.
قال الله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأنصَابُ وَٱلأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ l إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} المائدة:90، 91]، قال القرطبي رحمه الله: “فكل لهو دعا قليله إلى كثير وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه وصد عن ذكر وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حراما مثله. فإن قيل: إن شرب الخمر يورث السكر فلا يقدر معه الصلاة وليس في اللعب بالنرد والشطرنج هذا المعنى، قيل له: قد جمع الله تعالى بين الخمر والميسر في التحريم، ووصفها جميعا بأنهما يوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة، ومعلوم أن الخمر إن أسكرت فالميسر لا يسكر، ثم لم يكن عند الله افتراقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم لأجل ما اشتركا فيه من المعاني، وأيضا فإن قليل الخمر لا يسكر كما أن اللعب بالنرد والشطرنج لا يسكر، ثم كان حراما مثل الكثير، فلا ينكر أن يكون اللعب بالنرد والشطرنج حراما مثل الخمر وإن كان لا يسكر، وأيضا فإن ابتداء اللعب يورث الغفلة فتقوم تلك الغفلة المستولية على القلب مكان السكر، فإن كانت الخمر إنما حرمت لأنها تسكر فتصد بالإسكار عن الصلاة فليحرم اللعب بالنرد والشطرنج لأنه يغفل ويلهي فيصد بذلك عن الصلاة والله أعلم”([6]).
المفسدة السابعة: استعباد النفس والسيطرة على المشاعر.
لا يستطيع أحد أن ينكر أفاعيل كرة القدم المؤثرة على نفسية اللاعب والمتفرج على حد سواء، ولا أدل على ذلك مما يعرض لبعض المتفرجين من أزمات قلبية تؤدي للوفاة غالباً، بسبب تتبع المباريات بنفس منقبضة وأعصاب متوترة وعضلات متشنجة، وهذه الصور تعكس ارتداد ونكوص الرياضة عن دورها الصحيح في تهذيب الروح وبناء الجسم إلى سلاح زعاف يفتك بالأنفس والأرواح، وما أقبح موتَ من يموت في الملعب أو على مدرجات الملاعب أو يموت في سبيل فريق كرة، وما أسوأ مبعثه، فإن المرء يبعث على ما مات عليه، نسأل الله تعالى حسن الختام.
وهذا مثال حي نشرته صحيفة (الأخبار) المصرية([7]) حيث جاء فيها: “مات رئيس مجلس إدارة شركة النصر لمنتجات الكاوتشوك بالسكتة القلبية عندما سجل (الجارم) هدف الفوز للاتحاد في مرمى الأهلي في مباراة كأس مصر، كان… يتابع المباراة أمام الشاشة الصغيرة بين أفراد أسرته في منزله، وعندما أحرز الأهلي هدفه الأول قفز من مكانه واحتضن ابنته وابنه تعبيراً عن فرحته، واستمر يتابع المباراة بحماس إلى أن سجل الاتحاد هدف الفوز، وقبل نهاية المباراة بثوان وعندما فقد الأمل في التعادل انسحب من أمام التلفزيون، ودخل غرفته متعباً لينام بعد انتهاء المباراة، ودخلت زوجته إلى الغرفة فوجدته قد فارق الحياة، ويده على قلبه”.
المفسدة الثامنة: إفساد العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية.
إن هوس هذه المنافسات قد اقتحم بيوتات كثير من الناس، ودخلها من غير استئذان، وعثا فيها بالإفساد وزرع الشقاق والخلاف، فكم من طلاق وقع كان سببه هذه المباريات، تجد الزوج يتعصب لفريق معين، فإذا انهزم فريقه صبَّ جام غضبه على زوجته وربما ضربها من فرط الغضب، وكم حصل بين الإخوة من مشاجرات ومضاربات بسبب اختلافهم في الفريق الذي يشجعونه([8]). وهذا ما يطمع إليه أعداء الدين لكي يتصدع كيان الأسرة المسلمة، وتحل بالأمة النقمة.