سوق السمك في مبنى 58 …
حكايتي قديمة مع هذا المكان ، فيه عشت سنة كاملة من حياتي ، و فيه تعرضت لأسوء موقف في حياتي ، هذا المكان ليس مبناً عادياً و ليس مجرد غرف و فصول ، إنه عالم كامل *فيه الخير و الشر ، فإليكم هذه الحكاية على أمل أن تأخذوا منها العبرة .
في عام 1923 كان سوق السمك في الظهران يبدأ من *بوابة الجامعة ( المقاربة لأرامكوا) و ينتهي في الأرض التي يقع عليهامبنى 58 الآن *، كان ذلك السوق محطة يقف عندها جميع من يزور الظهران و شهد السوق توافد الكثير من الأجانب عليه في الفترة التي بدأت الشركات الأجنبية في التوافد على المملكة بحثاً عن النفط ، فكان السوق عبارة عن طريق للأجانب نحو التعرف على ثقافة أهل المنطقة و منبرا لهم للتفاخر بمدنهم التي جاؤا منها .
كان جدي رحمه الله أحد كبار تجار هذا السوق و كان الجميع يأتمر بأمره و يخاف من شدته و كان رحمه الله الضامن لعمل هذا السوق بعد الله فقد كان بعلاقاته و خبراته يدير السوق و يحدد الأسعار للتجار و يراقب عمليات البيع و الشراء في السوق حفاظاً على العدل و حفاظاً على مصالح الناس ، و في يوم من الأيام من صيف العام 1923 دخل على جدي في دكانه الذي يتوسط السوق شخص فارع الطول ، *أزرق العينيين ، أشقر الشعر ، و بطبيعة الحال أبيض البشرة فسلم على جدي بعربية ركيكة فرد عليه جدي السلام فأخبره الرجل أنه باحث اجتماعي يريد أن يكتب بحثاً عن تاريخ هذا المكان و كيفية تعايش أهل البلد فيه مع الأجانب و كان الرجل يريد من جدي أن يساعده بالمعلومات في هذا البحث و يطلب من أهل السوق مساعدته ، فوافق جدي رحمه الله على مساعدة الرجل و طلب منه القدوم في الغد باكراً ليجلس معه و يحكي له قصة السوق ، و كما هي العادة جلس جدي في دكانه في اليوم التالي و كان ينتظر الرجل لكن الرجل لم يأتي فظن جدي أن الرجل قد تراجع عن بحثه أو أنه مريض و لم يبدي للأمر أي اهتمام ، ما إن انتصف النهار حتى جاء سراكو و هو عامل يعمل في دكان جدي ، كان قصيرا بعض الشئ و أسمر البشرة ، و كان من أصل هندي و كان مسرعاً و يصرخ و يقول إنه وجد الرجل الذي جاء إلى الدكان بالأمس مقتولا و قد رمي في طرف السوق ، فنطلق جدي و أهل السوق خلفه يركضون ليجدو الرجل مقتولاً فعلا بطعنة سكين في رقبته من الخلف و كان بجانبه و رقة صغيرة فناولها الناس لجدي و كان فيها بعض الجمل باللغة الانجليزية فطلب جدي من أحد البحارة و كان يدعى أبو غربي و ذلك لكثرة سفره للغرب و كان يجيد القراءة و الكتابة باللغة الانجليزية فبدأ بالقراءة فطلب منه جدي القراءة بصوت عال امام الناس فلم يرضى و طلب الجلوس مع جدي لوحدهما فوافق جدي ، كان أبوغربي رجلا شجاعاً و يعرف عنه الجود و الكرم و كان من الغريب عليه أن يتردد في أي موضوع ، *جلس جدي و أبو غربي في الدكان فقال أبو غربي لجدي سأترجم لك ماكتب لكن ناشدتك بالله أن تدعني أسافر و لاتسألني عن شئ بعدها فوافق جدي و علامات التعجب و الفزع تدور في رأسه فقال أبو غربي كتب هنا يا أبوعريب (يقصد جدي)
إني قادم من جديد يا أهل السوق*
لن أنسى ، الشامة الزرقاء في عيني
كفين مور …
الحلقة الثانية : من هو كيڤين مور*
في الفترة ما بين العام 1880 و العام 1895 شاعت الكثير من الإشاعات عن أسطورة كيڤين مور القرصان و التي كانت تنفى من البعض و تصدق من البعض و في بحثي في عدد من المقالات التي نشرت في تلك الفترة في المملكة المتحدة و في بعض مستعمراتها توصلت لعدة نتائج أهمها صدق وجود هذه الشخصية التي كانت تظهر في الكثير من المستعمرات البريطانية لتقوم بمجموعة من الجرائم الوحشية مجهولة الهدف و الغاية لكن متشابهة في الطريقة ( ضربات بالسكين في الرقبة من الخلف) ، لكن معظم تلك المقالات تحدثت عن مقتل هذه الشخصية على يد أحد الضباط الانجليز في الهند و الذي لقب بعدها باسم البطل شوردي و لكن الغريب أن الشخصية عادت للظهور بعد ذلك بعدة أيام في وسط لندن مما أثار شكوكي حول الشخصية و أن هناك أكثر من شخص انتحلها في السابق أو يحاول انتحالها ، و لقد صادفت مقالة كتبت في العام 1895 لعالم آثار انجليزي يدعى هاندز تحدث فيها عن مشاهدته لشخص قتل على طريقة كيڤين مور أثناء زيارته لمدائن صالح وأنه تتبع أخباره و قام بتقفي قصصه حتى قادته لمدينة يستوطنها أناس من قبيلة الدواسر و هذه المنطقة هي الدمام في أيامنا هذه و العجيب أن هاندز قتل على طريقة مور بعد وصوله للدمام بأيام قليلة ، و استمرت بعد مقتله سلسلة الجرائم هذه قرابة العاميين تقريباً دون سبب واضح لها و دون علم أهل المنطقة أي شئ عن شخصية مور سوى المعلومات القليلة التي أخبرهم بها هاندز قبل مقتله على يد مور . و قد سمعت بعض الأحاديث من بعض مشايخ الدمام عن شخصية كيڤين مور و كيف أنه لم يرى أبدا رغم كثرة جرائمه و لكن هذه الجرائم توقفت فجأة في العام 1897 مع وصول وفد من بعض القبائل من الحجاز و التي كان معهم فيها جدي رحمه الله و كان في ذلك الوقت يبلغ 40 عاماً ، و حينما استمع لقصة كيڤين مور لم يصدق ذلك أبداً لكنه شاهد شخصاً في اليوم التالي لوصوله مقتولاً أمام خيمته على طريقة مور و كان ذلك آخر من قتل في الدمام بهذه الطريقة .
** * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *…*
استغرب جدي كثيراً من محتوى الرسالة التي ترجمها له أبوغربي و لم يستطع النوم في تلك الليلة و أخذ يفكر ماذا يفعل و هل من الممكن أن يصدق الناس قصة كيڤين مور أم أنهم من الممكن أن يتهموه بالجنون خاصة و أنه عجوز و القصة قديمة جداً و معظم من عاصروها من أهل الدمام قد ماتوا و أهل الظهران هنا أناس حديثو عهد بالمنطقة و لا يعلمون عن القصة أي شئ ، فلم يكن أمام جدي حل سوى الحذر الشديد و طلب المشورة من بعض أصدقائه المقربين علهم يشيرون عليه ماذا يفعل ، فبدأ بصديقه خويلد بن شمري الذي كان يعلم أطفال المنطقة الحساب و كان خويلد شخصاً شرس الأخلاق و حاد الطباع لكنه كان يحب جدي كثيرا و لكن حينما حدثه جدي بالأمر أخذ بالضحك و قام بوصف جدي بالعجوز الخرف ، انصرف عنه جدي و اتجه لتاجر كان صديقاً له و كان اسمه علي خان هندي الأصول و كان دائماً ما يزور الهند فحينما أخبره جدي بالقصة صدم بها و تغير وجهه و قال لجدي انه سمع القصة من قبل والده منذ زمن و لكنه يعرف أن مور هذا قتل في الهند و لم يعد له وجود ، لكنه أشار على *جدي بمراقبة السوق و توزيع أبنائه في أطرافه علهم يجدون دليلاً أو يسمعون حديثاً يفيدهم ، خرج جدي من عند علي خان و رغم اقتناعه بنصيحته إلا أنه خاف على أبنائه و لم يحدثهم بالآمر .*
*
في المساء كان جدي و أبنائه ( أعمامي و قد كانوا عشرة). …قولو ما شاء الله …يتناولون الطعام فقال عمي ثنيان أنه كان الليلة الماضية في مخيم بعثة أجنبية تبحث عن كنوز في المنطقة و كان لديهم في هذه الليلة احتفال كبير بمناسبة اكتشاف اكتشفوه و حينما سأل أحد أفراد البعثة و اسمه دان أوكسلي عن هذا الاكتشاف قال له ضاحكاً كيڤين مور فصرخ جدي وطلب من عمي ثنيان الاستمرار فاستغرب عمي و لكنه قال إن الرجل لم يقل له كلمة أخرى غير أنهم اقتربوا من الوصول لهدفهم ، قام جدي و سحب عمي ثنيان من يديه و طلب منه الذهاب لمخيم هذه البعثة و رغبته في رؤية الرجل الذي تحدث معه… *